ما معني الولادة من الماء والروح؟
يسجل لنا يوحنا في بشارته العديد من مقابلات الرب يسوع مع شخصيات مختلفة وحديثه معهم. مثل حديثه مع حديثه مع نيقوديموس والمرأة السامرية وحديثه مع اليهود عن عمل الآب و الإبن في ص ٥ وحديثه الأخير مع التلاميذ في الأصحاحات ١٤-١٦ والكثير من الأحاديث القصيرة مثل حديثه مع مريم المجدلية بعد القيامة و ظهورة مع التلاميذ وحديثه معهم عند بحر طبرية وحديثه الخاص مع بطرس و التلميذ الذي كان يحبه.
حديث الرب مع نيقوديموس في يوحنا ٣ واحد من المقابلات الطويلة التي يشرح فيها المعلم العظيم الرب يسوع للفريسي رئيس لليهود و"مُعلِّم اسرائيلَ" العديد من الحقائق الكتابية واللاهوتية. ففي حديثه عن الولادة "من فوق" أجاب يسوع، "ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ (يو ٥:٣).
النص في السياق اليوحناوي
في سياق الأصحاح نفسه تتكرر كلمة "مِن" خمس مرات فيقول: ١) "مِنْ فَوْقُ" (ع٣) و ٢) "مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ"(ع٥) و ٣) "مِنَ ٱلرُّوحِ" (ع٦) و ٤) مرة أخري "مِنْ فَوْقُ" (ع٧) و٥) أخيراً يقول "من الماء والروح" (ع٨).
فهنا مرتين يذكر "من فوق"، ومرتين "من الروح" ومرة واحدة يقول "من الماء والروح."
ومن خلال هذه التعبيرات أن الولادة من فوق (مرتين للتأكيد) و من الروح (مرتين للتأكيد) ثم انها من الماء، نفهم أن هذه الولادة هي عمل إلهي سماوي وليس أرضي، وهذا يتفق مع فكر يوحنا اللاهوتي الذي سجل سابقاً، "وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ" (يو ١٢:١-١٣). لاحظ هُنا أنه يشرح من هُم أولاد الله من خلال المقارنة فقال "لَيْسَ مِنْ" و "بَلْ مِنَ" فهُم وُلدوا من الله. وهُنا أيضاً نفهم أنه لا يوجد عنصر ولا تدخل بشري في هذه الولادة، بل هي مِنَ ٱللهِ.
وماذا عن الماء؟
في سياق إنجيل يوحنا، نجد أن الحديث عن الماء مميز وله بُعد روحي، لذا نجد في الإصحاح الأول يوحنا يقول أنه يُعمد بالماء، ويشهد ان الله أشار له، "ٱلَّذِي تَرَى ٱلرُّوحَ نَازِلًا وَمُسْتَقِرًّا عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ ٱلَّذِي يُعَمِّدُ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (٣٣:١). فهُنا نجد عنصر الماء ونجد الروح، اشارة لما نوَّه له الرب في حديثه مع نيقوديموس في ص٣ والماء والروح لهم بُعد نبوي، كما سأشرح لاحقاً.
في الأصحاح الثاني نجد معجزة تحول الماء الي خمر، وبُعدها اللاهوتي هنا انها، "هَذِهِ بِدَايَةُ ٱلْآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلَامِيذُهُ" (١١:٢). بداية الآيات، أو بداية العلامات لمجئ المسيح المخلص، لذلك تسببت هذه المعجزة في اظهار الجانب اللاهوتي للمسيح ثم إيمان التلاميذ به، والرب هُنا استخدم عنصر الماء لإظهار مجده.
لاحقاً بعد حديثه مع نيقوديموس، يأتي حديث الرب مع السامرية ويقول لها، "لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ ٱللهِ، وَمَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لِأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا" (١٠:٤). وهُنا يعلن الرب يسوع لإمرأة من عامة الشعب - بعد أن أعلن لرئيس اليهود نيقوديموس - أن هناك عطية من السماء ويصحبها ماء حياة. ومن الجدير بالذكر هُنا ان الرب ربط بين "من هو" و وأنه هو من لديه الماء الحي ويُعطيه لمن يشاء، "لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ." ويقول الرب لاحقاً ويميز بين الماء البشري والماء الذي منه، "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهاَ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا ٱلْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ ٱلْمَاءِ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى ٱلْأَبَدِ، بَلِ ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (١٣:٤-١٤).
فمن خلال حديث الرب عندما كان هو بمثابة لغزاً للسامرية، "لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ … مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَقُولُ لَكِ،" و مرتين يقول، "ٱلْمَاءُ ٱلَّذِي أُعْطِيهِ،" هو إعلان هوية "من هو" يسوع، ما يقدمه من ماء يمنح حياة أبدية. ومن خلال الأصحاح، نجد أن كل ما قدمه الرب للسامرية هو "نفسه" عندما أعلن الرب لها أنه هو المسيا فقال لها، "أَنَا ٱلَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ" (ع٢٦). فهُنا أعلن الرب عن نفسه لها. ولم يعطها ماء، بل كان هو الماء.
وفي الاصحاح الخامس، يأتي الرب ويتمم أنه هو الماء الذي يشفي ويعطي حياة للمفلوج الذي كان ينتظر الملاك ليُحرك الماء. فبكلمة أبرأه الرب يسوع.
أما في الأصحاح السابع، فيأتي الإعلان الشعبي الصريح عندما نادىَ الرب يسوع في اليوم الأخير العظيم من العيد وقال، "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هَذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ" (٣٧:٧-٣٩). وهنا بكل صراحة يدمج بين الماء والروح الذي تكلم عنهم مع نيقوديموس، لاحظ هذه العبارات مرة أخري: مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ ٱلْكِتَابُ (بُعد نبوي سناقشه لاحقاً)، … أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ قَالَ هَذَا عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لِأَنَّ ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ. إذاً هنا نقرأ عن: ١) ايمان بالمسيح، ٢) ماء حي (مُثبَّت بالنبوآت،) ٣) الروح، أو الروح القدس.
وأخيراً، في يوحنا الأصحاح التاسع عشر، يشهد يوحنا، "لَكِنَّ وَاحِدًا مِنَ ٱلْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ" (يو ٣٤:١٩-٣٥). وهنا نجد عناصر هامة في النص وهم: الدم و الماء والإيمان.
يقول الرب في لاويين ١١:١٧، "نَفْسَ ٱلْجَسَدِ هِيَ فِي ٱلدَّمِ." اذ تتفق أو تختلف معي فان نفس الإنسان هي العنصر الغير مرئي الذي يعطي الحياة للإنسان، الذي يمكن أن نطلق عليها "روح الإنسان." ففي البداية صار آدم نفساً حية بنفخة نسمة حياة من الله، ولاحقاً العظام اليابسة في حزقيال ٣٧ قامت جيشاً عظيما عندما دخلت فيها الروح، ثم قال الرب، "وأَجْعَلُ رُوحِي فِيكُمْ فتَحْيَوْنَ" (حز ١٤:٣٧). فهُنا يحيا الإنسان بالنفس أو بالروح.
وبالعودة إلي يوحنا ١٩، نجد أن الدم (أو الروح ويقول بولس لمؤمنين روما: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ [رو ٩:٨]) والماء (ٱلرُّوحِ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ) كانوا علامة للإيمان (وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ).
النص في سياق اللاهوت الكتابي
النص في سياق اللاهوت الكتابي
علي الصفحة الأولي للكتاب المقدس يسطر لنا الوحي بأن الأرض كانت خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ ولاحقاً يذكر وجود (١) الروح و (٢) الماء، ويقول، "وَرُوحُ ٱللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ" (تك ٢:١). فمن الخراب والخلاء الي خليقة حسنة وبديعة كما أراد الله. فهل من الوارد أن يكون دائماً عمل الله الخلاق المبدع أن يكون من خلال الروح والماء؟ فكما يُسمي بولس الولادة التي من فوق أن تجعل من الإنسان "خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ… هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (٢كو ١٧:٥). خليقة جديدة! بعد الخراب الذي سببته الخطية في حياة الإنسان، يستطيع الروح القدس والماء (كلمة الله) التي كانت في سياق يوحنا مرتبطة بإظهار مجد الله وإيمان الآخرين والحياة الأبدية.
وإذا قفزنا إلي سفر الرؤيا فنجد أن صوت الرب يسوع في مجده "كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ" (رؤ ١٥:١). ولاحقاً نجد أن أتباع الخروف "لَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ" و "ٱلْخَرُوفَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ" (رؤ ١٥:٧ و١٧). أليس هذا تحقيق دقيق لما قاله الرب يسوع سابقاً، "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ" (يو ٣٧:٧). و أخيراً، يدعو الروح والعروس في نهاية سفر الرؤيا، "وَٱلرُّوحُ وَٱلْعَرُوسُ يَقُولَانِ: 'تَعَالَ'… وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا) فنقرأ مرة أخري هُنا عن الروح والماء كمظهر من مظاهر الحالة الأبدية للمؤمن.
وبعودة أخري لسياق اللاهوت الكتابي للماء و الروح فيما بين التكوين والرؤيا، نجد أن حزقيال ٣٦ يثير انتباه القارئ. بعد دينونة الله وعقاب شعب إسرائيل وإرسالهم إلي سبي بابل، يَعد الرب شعبه بالغفران والعودة الي أرض يهوذا، وفي هذا السياق يقول الرب:
وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِرًا فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْبًا جَدِيدًا، وَأَجْعَلُ رُوحًا جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي، وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا (حز ٢٥:٣٦-٢٧)
وكما فهمنا من بداية الخليقة أن الماء والروح كانوا عنصران أساسيان في خلق خليقة من خراب وخلاء، وفهمنا أيضاً أن الماء والروح لهم مكان ودور في بداية ونهاية سفر الرؤيا، هُنا أيضاً نجد أن بعد خراب أورشليم، يرتبط غفران الرب و عودة شعب يهوذا بالماء والروح، وكأن الله يريد أن يقول أنه من خراب الخطية، أستطيع خلق خليقة جديدة من شعبي بني اسرائيل.
إذاً ما هو المقصود بالماء والروح؟
إذاً ما هو المقصود بالماء والروح؟
بعد هذا النقاش الكتابي المُثمر نجد أن عِبارة الماء و الروح التي قالها الرب لنيقوديموس، "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ" (يو ٥:٣) لا تعني إلا عمل الله، وهو عمل الآب و الإبن و بصفة رئيسية عمل الروح القدس في تغيير الإنسان، فكما أن المياة تستخدم للإغتسال والتطهير، "وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِرًا فَتُطَهَّرُونَ" (حز ٢٥:٣٦) يقول بولس عن عمل المسيح لتطهير الكنيسة، "مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ ٱلْمَاءِ بِٱلْكَلِمَةِ" (أف ٢٦:٥) يأتي الرب يسوع بالروح القدس لغسل قلوبنا. ويقول كاتب الرسالة إلي العبرانيين، "لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ" (عب ٢٢:١٠). ما هذا هو الماء النقي؟ هو عمل الله بكلمته وبالروح القدس في قلوبنا. وبتأييد الرب يسوع لهذا قال لنيقوديموس أن هذه الولادة التي هي من الماء والروح، هي "مِنْ فَوْقُ" (يو ٣:٣) و "مِنَ ٱلرُّوحِ" (ع٦).
الخلاصة اللاهوتية
فمن خلال حديث الرب مع السامرية نجد أن الرب يسوع نفسه هو مصدر ماء الحياة المجاني، وصوته كمياة كثيرة (رؤ ١٩:١). فالماء ليست وإلا: كلمة الله ( أف ٢٦:٥) التي تُطهر كغسيل الماء لشئ نجس. ويتفق مع ما قاله بولس لتيطس، "وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللهِ وَإِحْسَانُهُ، لَا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ (لأنها ولادة من فوق)، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ ٱلْمِيلَادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ" (تي ٤:٣-٥). فهنا أيضاً يذكر الغسيل والروح القدس، فالمفهوم هنا يبعد فكر القارئ عن أي نوع من المياة الأرضية الملموسة بل إلي كلمة الله و عمل الروح القدس في الإنسان للولادة الجديدة بكلمة الله. وهذا التفسير يتفق مع ما قاله الرسول يعقوب، "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي ٱلْأَنْوَارِ، ٱلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلَا ظِلُّ دَوَرَانٍ. شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ ٱلْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلَائِقِهِ" (يع ١٧:١-١٨). فهنا نجد ولادة من فوق بكلمة الحق، وهي كلمة الإنجيل. وأيضاً يتفق مع عبارة بطرس الواضحة، فيقول، "مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لَا مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لَا يَفْنَى، بِكَلِمَةِ ٱللهِ ٱلْحَيَّةِ ٱلْبَاقِيَةِ إِلَى ٱلْأَبَدِ" (١بط ٢٣:١). وهذا يتفق تماماً مع
١- تمييز يوحنا لأولاد الله عن الأولاد المولودين بالجسد فيقول، "اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ" (يو ١٣:١).
٢- مقارنة الرب يسوع، "اَلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَٱلْمَوْلُودُ مِنَ ٱلرُّوحِ هُوَ رُوحٌ" (يو ٦:٣).
٣- ويؤكد بطرس، "لِأَنَّ كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. ٱلْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، وَأَمَّا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى ٱلْأَبَدِ. وَهَذِهِ هِيَ ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا" (١بط ٢٤:١-٢٥).
فالميلاد الثاني هُنا في لاهوت الكتاب المقدس، هي عملية إلهية بحتة بلا نقاش، ولا يوجد أدني تدخل بشري بل هي من الله، من فوق، ومن الروح، ومن الماء الذي يخرج من فم الله ليعطي حياة أبدية.
بقلم د. ق / ناثان عوض

.jpg)
Comments
Post a Comment