نوح ودانيال وأيوب، هُم وحدهم يخلصون

 

يوضح الرب في حزقيال ١٤ لعبده الكاهن حزقيال أن قصاص الله الواقع علي الانسان هو قصاص شخصي والنجاة والخلاص هو أيضاً أمر شخصي. أي أنه لن يخلص انسان شرير ببر انسان بار. لذلك يقول، "إِنْ أَخْطَأَتْ إِلَيَّ أَرْضٌ وَخَانَتْ خِيَانَةً، فَمَدَدْتُ يَدِي عَلَيْهَا وَكَسَرْتُ لَهَا قِوَامَ ٱلْخُبْزِ، وَأَرْسَلْتُ عَلَيْهَا ٱلْجُوعَ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ، ١٤ وَكَانَ فِيهَا هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ: نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ" (حز ١٣:١٣-١٤). ويَلي هذه الآية نماذج متشابهة في قضاء الله علي الأشرار من سكان أورشليم كإرساله للوحوش الرديئة أو الموت بالسيف أو بالوبأ كضربات من ضربات الله وقضاءه علي الأرض. لكن هل بتقوي نوح أو حكمة دانيال أو استقامة أيوب تنجو الأرض؟ دعنا نقرأ النص سوياً ان لم تكن علي دراية بالقضية:

        وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ قَائِلَةً: ١٣ «يَا ٱبْنَ آدَمَ، إِنْ أَخْطَأَتْ إِلَيَّ أَرْضٌ وَخَانَتْ خِيَانَةً، فَمَدَدْتُ يَدِي عَلَيْهَا وَكَسَرْتُ لَهَا قِوَامَ ٱلْخُبْزِ، وَأَرْسَلْتُ عَلَيْهَا ٱلْجُوعَ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ، ١٤ وَكَانَ فِيهَا هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ: نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ. ١٥ إِنْ عَبَّرْتُ فِي ٱلْأَرْضِ وُحُوشًا رَدِيئَةً فَأَثْكَلُوهَا وَصَارَتْ خَرَابًا بِلَا عَابِرٍ بِسَبَبِ ٱلْوُحُوشِ، ١٦ وَفِي وَسْطِهَا هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُمْ لَا يُخَلِّصُونَ بَنِينَ وَلَا بَنَاتٍ. هُمْ وَحْدَهُمْ يَخْلُصُونَ وَٱلْأَرْضُ تَصِيرُ خَرِبَةً. ١٧ أَوْ إِنْ جَلَبْتُ سَيْفًا عَلَى تِلْكَ ٱلْأَرْضِ وَقُلْتُ: يَا سَيْفُ ٱعْبُرْ فِي ٱلْأَرْضِ، وَقَطَعْتُ مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ، ١٨ وَفِي وَسْطِهَا هَؤُلَاءِ ٱلرِّجَالُ ٱلثَّلَاثَةُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُمْ لَا يُخَلِّصُونَ بَنِينَ وَلَا بَنَاتٍ، بَلْ هُمْ وَحْدَهُمْ يَخْلُصُونَ. ١٩ أَوْ إِنْ أَرْسَلْتُ وَبَأً عَلَى تِلْكَ ٱلْأَرْضِ، وَسَكَبْتُ غَضَبِي عَلَيْهَا بِٱلدَّمِ لِأَقْطَعَ مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ، ٢٠ وَفِي وَسْطِهَا نُوحٌ وَدَانِيآلُ وَأَيُّوبُ، فَحَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنَّهُمْ لَا يُخَلِّصُونَ ٱبْنًا وَلَا ٱبْنَةً. إِنَّمَا يُخَلِّصُونَ أَنْفُسَهُمْ بِبِرِّهِمْ (حز ١٢:١٤-٢٠).

شرح المُعضلة

الفكرة هُنا تكمن في ٣ عناصر وهم

١) أرض أخطأت

٢) عقاب صارم علي ترك الرب 

٣) لا يوجد مُخلص.

ويعلق الله علي هذا القضاء بقوله، "فَتَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَصْنَعْ بِلَا سَبَبٍ" (٢٣:١٤). وهنا يتكلم عن قضاء الله الذي تم في أورشليم بسبب خطية شعب اسرائيل الداخلين في عهد مع الله ولكنهم خانوا خيانة لهذا العهد (ع١٣).

فهل يوجد من يردع الله عن عقابه لأورشليم؟ يجيب الله أنه لو فيها هؤلاء الرجال الأتقياء، نوح ودانيال وأيوب لن يستطيعوا خلاص لا بنين ولا بنات، "إِنَّهُمْ لَا يُخَلِّصُونَ بَنِينَ وَلَا بَنَاتٍ. هُمْ وَحْدَهُمْ يَخْلُصُونَ وَٱلْأَرْضُ تَصِيرُ خَرِبَةً" (ع١٦). فهُنا الخلاص شخصي وعلاقة بين الله ومن هم أبرار وأتقياء.

 

لماذا نوح ودانيال وأيوب؟

١- كل واحد منهم يمثل قمة البر والحكمة لشعب اسرائيل:

أ- نوح، "كَانَ نُوحٌ رَجُلًا بَارًّا كَامِلًا فِي أَجْيَالِهِ. وَسَارَ نُوحٌ مَعَ ٱللهِ" (تك ٩:٦).

ب- دانيال، "يُوجَدُ فِي مَمْلَكَتِكَ رَجُلٌ فِيهِ رُوحُ ٱلْآلِهَةِ ٱلْقُدُّوسِينَ، وَفِي أَيَّامِ أَبِيكَ وُجِدَتْ فِيهِ نَيِّرَةٌ وَفِطْنَةٌ وَحِكْمَةٌ كَحِكْمَةِ ٱلْآلِهَةِ" (دا ١١:٥).

ج- أيوب، "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ ٱسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا ٱلرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ" (أي ١:١).

والفكرة هُنا أن بر الإنسان البار يعود عليه وحده بالنجاة ونوال الوعد الإلهي بالحياة والإنقاذ من الدينونة الإلهية.

٢- يمثلون أزمنة وخلفيات مختلفة

أ- نوح، مجرد انسان، قبل العهد الإبراهيمي، يمثل البر قبل إقامة العهد.

ب- أيوب، رجل من الشرق، ويمثل البر خارج اسرائيل.

ج-  دانيال، يهودي يعيش في زمن المنفى، يعيش حياة صالحة وسط شعبه.

والفكرة التي يريد الرب نقلها لشعبه، أن بركات العهد للبار علي حِده فالعهد مع اسرائيل كان لمجئ المُخلص وليس لخلاص الذين هم في العهد الموسوي بلا مسؤولية. لذلك، نوح وهو بعيداً عن العهد، وجده الله رجلاً باراً، وأيوب كان كاملاً ومستقيماً بعيداً عن ناموس موسي.

فالأصحاح هنا بمثابة ضربة قاسمة لشعب اسرائيل الذين يحتموا في العهد بلا فهم، أو تقوي شخصية لله. وهذا ما أخفق شعب اسرائيل في فهمه لسنوات طويلة، لذلك عندما تقابل ملاك الرب مع جدعون، قال له الرب، "ٱلرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ ٱلْبَأْسِ" (قض ١٢:٦). وجاوبه ملاك الرب، "أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ ٱلرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ ٱلَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا ٱلرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَٱلْآنَ قَدْ رَفَضَنَا ٱلرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ" (ع١٣). يركز الرب هنا في كلامه علي جدعون "وحده" وليس الشعب في حين تركيز كلام جدعون عن الشعب جميعاً، وهكذا كان الحوار بين ملاك الرب وجدعون. والسبب هنا كان في ع١ "وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ ٱلرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ." 

لكن من أنبياء ما قبل السبي أرميا قال له الرب، "أَنَا ٱلرَّبُّ فَاحِصُ ٱلْقَلْبِ مُخْتَبِرُ ٱلْكُلَى لِأُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ طُرُقِهِ، حَسَبَ ثَمَرِ أَعْمَالِهِ" (ار ١٠:١٧). فالرب ينظر لخطية أو بر "كل واحد." لذلك لا حماية لشخص بسبب بر شخص آخر.

٣- كل واحد في جيله لم يستطع خلاص آخرين بل خلص نفسه ببره

١- في أيام نوح، نجا نوح من هلاك الطوفان ببره وكماله، وأسرته بإيمانهم. "إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ" (١ بطرس ۳: ۲۰).

٢- في أيام دانيآل، بر دانيال لم يُوقف يد الله عن اجراء الله بالسبي، ومن الجدير بالذكر هنا أن دانيال كان معاصر لحزقيال، و الشعب كان في السبي، بما معناه، علي الرغم من تقوى وبر دانيال، الله عاقب الشعب بالسبي الذي اشتمل علي الوبأ والجوع والسيف والتشتت (حز ١٢:٥). 

٣- أما في قصة أيوب فنجد:

١- أيوب علم أن أبناءه لن يحصلوا علي الخلاص ببره وتقواه. لذلك يقول الكتاب أنه، "أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ" (أي ٥:١). ثم يقول الكتاب، "وَبَكَّرَ فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى ٱللهِ فِي قُلُوبِهِمْ. هَكَذَا كَانَ أَيُّوب يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ." فحماية كل واحد كانت علي أساس ذبيحة نفسه وليست ذبيحة أخوته أو أبيهم أيوب.

٢- لم يجد أيوب أي انسان يخلصه في محنته، كل ما قدمه له أصدقاؤه الثلاثة هو فحصاً وتفسيراً لمعاناته، مما زاده علي معاناته وتجربته حزناً وأسى، حتي أليهو، لم ينفعه بشئ سوي أنه وجه نظره نحو الله وصفاته. فيقول، "فَإِذَا قُلْتَ إِنَّكَ لَسْتَ تَرَاهُ، فَٱلدَّعْوَى قُدَّامَهُ، فَٱصْبِرْ لَهُ" (أي ١٤:٣٥). ويبدأ الله في سؤال أيوب مجموعة من الأسئلة تبدأ بـ "من" (١٤ سؤال في أيوب ٣٨ و ٣٩). وهنا يوجه الله نظر أيوب له، أنه هو الخالق والمُخلص.


التطبيق اللاهوتي علي الخطية واحتياج الإنسان للخلاص 

عندما عَصي الإنسان وصية الله الأولي وأكل من شجرة معرفة الخير والشر، لم يوجد أي كائن لا بشري ولا ملائكي ليخلص الإنسان من الخطية وعقوبتها. لذلك وعد الله الإنسان للتو ووعد بنسل المرأة الذي، "هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ (أي رأس الحية)" (تك ١٥:٣). ثم بعد ذلك يأتي أبناء آدم وحواء والحال لا يصير أفضل بل "ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ" (رو ١٢:٥) فالكل أخطأ. ولكن هل يوجد خلاص؟ نعم. كما ذكرت آنفاً أنه بنسل المرأة، سيأتي هذا الشخص، الذي تنبأ عنه الأنبياء. المسيح يسوع، وهل يوجد خلاص من انسان آخر؟ أو كائن ملائكي؟ وهل يستطيع أيوب ببره أو نوح بكماله، أو دانيال بحكمته أن يقف يد الله عن القضاء؟ أو يمنح أي منهم الحياة لإنسان خاطي محكوم عليه بالموت؟ ملخص الإجابة قالها بطرس لشيوخ ورؤساء اليهود، "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ ٱلْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ" (أع ١٢:٤). فإذا بحث وفتش الناس علي مُخلص، فهو يسوع المسيح المُعين من قبل الله لخلاص البشرية، وذلك لأن الأمر أكبر من أي رجل من رجال الله القديسين الأفاضل، فهم أنفسهم عندما بحثوا عن النجاة فوجدوا أن الحل الوحيد هو التحول عن كل خطية وطريق ردئ والاتجاه إلي الله وحده، وببرهم هذا استطاعوا أن يخلصوا. وتأييداً لهذا الفهم يقول الرب يسوع في ختام سفر الرؤيا، "مَنْ يَظْلِمْ فَلْيَظْلِمْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ نَجِسٌ فَلْيَتَنَجَّسْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ بَارٌّ فَلْيَتَبَرَّرْ بَعْدُ. وَمَنْ هُوَ مُقَدَّسٌ فَلْيَتَقَدَّسْ بَعْدُ». «وَهَا أَنَا آتِي سَرِيعًا وَأُجْرَتِي مَعِي لِأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ" (رؤ ١١:٢٢-١٢). فكل واحد سيعطي حساباً عن نفسه، لذا يقول بولس، "فَإِذًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا لِلهِ" (رو ١٢:١٤). وأختم كلامي هُنا أنه عندما يعجز الإنسان عن خلاص نفسه فإنه يجد البر الذي يحتاجه للحياة الأبدية مُقدماً له من خلال المسيح يسوع، فيقول الكتاب، "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ." (٢كو ٢١:٥). فنحن في المسيح نستطيع أن نخلص ونحصل علي بر الله المجاني. 

 



ق/ ناثان عوض 

 



Comments

Popular Posts